عصام السيد

مخرج مسرحي

 

كان بالنسبة لى شخصا شديد الغموض ، شديد التجهم ، شديد الانعزال ، كتب عن اول عروضى ( درب عسكر ) مقالة رائعة بمجلة صباح الخير ، دون معرفة سابقة و اعتبرها – فى ذلك التوقيت – من اهم المسرحيات فى السنوات العشر الاخيرة . و عندما التقينا مصادفة بعدها دار بيننا نقاش طويل و لكنه كان متحفظا ، و بالصدفة سافرنا سويا الى مهرجان قرطاج ، و هناك اكتشفت الوجه الحقيقى لمحمد الرفاعى ، انه الساخر بلا حدود ، محب الحياة المفرط فى محبته ، الموضوعى الى اقصى درجة ، و لم يكن تحفظه و انعزاله الا حائط صد للحفاظ على موضوعيته ، كان منطقه ان صداقة الناقد للفنان تفقده الموضوعية و الصراحة . و مع ذلك اصبحنا اصدقاء ، فلقد كانت المشتركات بيننا كثيرة و متعددة ، و الاهتمام و الهم واحد فنيا و سياسيا و انسانيا ، فنحن اولاد نفس الجيل ، بالاضافة الى اننا مواليد نفس الشهر ، و الفرق بيننا يوم و بضعة اعوام ، و صرنا ( رفاعى و انا ) لا نفترق حتى عندما عدنا للقاهرة ، خاصة فى ايام المهرجان التجريبى حيث كنا نرتب جدول مشاهداتنا معا ، و نلهث بين المسارح سويا ، و انضمت الينا الناقدة الكبيرة عبلة الروينى و الكاتب و الناقد نبيل بدران ، و صارت لقاءاتنا دائمة و ممتدة و مستمرة لا تقطعها الا الظروف القاهرة . و اتسعت صداقاتنا المشتركة فضمت كثيرين مثل رسام الكاريكاتير الشهير رؤوف عياد ، و المشرف الفنى لمجلة صباح الخير سابقا فوزى الهوارى ، و الكاتب و الشاعر محمد بغدادى و المخرج السينمائى مجدى احمد على ، و غيرهم كثيرين ، حتى صارت لنا جلسات دائمة و ثابتة الموعد فى اشهر اماكن سهر المثقفين بمصر ( مقهى و مطعم الجريون ) تلك الليالى التى ضمت خيرة الشعراء و الكتاب و النقاد و الفنانين المصريين طوال التسعينات و حتى الان .
هل اثرت صداقتى برفاعى عليه ؟ و على احكامه على اعمالى ؟
لقد كانت علاقتنا كأفضل ما تكون ما بين ناقد و فنان ، علاقة فريدة تفصل بين واجبات الصداقة و بين واجبات العلاقة المهنية .
لم تكن كتابات رفاعى عن اعمالى حتى و لو بالسلب تؤثر على علاقتنا ، لدرجة انه كتب ذات مرة مقالا قاسيا عن عرض لى بالقطاع الخاص ، و مضى منتج العمل يضرب كفا بكف ، كيف يكون ( الرفاعى ) صديقى و لا يجاملنى و يكتب مشيدا بالعرض ، و حاولت ان افهمه ان علاقتنا ليست بهذا المستوى و انه حر فيما يراه و صداقتنا لا تقيده بوجهة نظر محددة و لكن هيهات ، و قرر ذاك المنتج ان يقاضى رفاعى و المجلة التى نشر بها مقالته ، و ظلت المحاكم تتداول القضية لشهور ، و مع ذلك ظلت علاقتى برفاعى كما هى ، فالحق اقول انه كان مؤمنا بكل مايكتب صادقا فى التعبير عما يراه ، و لا يهدف من وراء ذلك اى مصلحة شخصية ، كنقاد الابتزاز عديمى الموهبة الذى صار النقد طريقا لتقديم اعمالهم ، او هؤلاء الذين لا ينطبق عليهم لقب ” ناقد ” و انما يليق به لقب ” ناقم ” حيث يوزع على المبدعين حقده و كراهيات عدم تحققه
و برغم لغة ( الرفاعى ) الساخرة الا انه لم يكن شتاما او متجاوزا ، و لم يكن ناقدا يحمل المقصلة اينما توجهت عيناه ، بل كان محلللا مستقصيا ، لا قاضيا يوزع احكامه فى تعال و غرور. ينقد العمل و لا يخطئ فى حق صانعيه .
و لثقتى فى موضوعيته فهو لا يعرف المجاملة فى الفن ، و لانه صريح و غير مراوغ ، او كما يقولون لا يخشى فى الحق لومة لائم ، كان ( الرفاعى ) – دائما – بجانبى لثقتى فى احكامه و تقديراته ، فهو عضو المكتب الفنى بالمسرح الكوميدى عندما توليت رئاسته ، و هو عضو لجنة القراءة عندما توليت الاشراف على الانتاج المسرحى بالتليفزيون المصرى . و حتى عندما اصابه الاكتئاب من حال المسرح ، و فضل الابتعاد عن النقد المسرحى لم تنقطع صداقتنا و لم تتأثر بتغير اهتماماته ، و حتى عندما اختلفنا سياسيا – فقد كان من مناصرى البرادعى قبل و اثناء ثورة 25 يناير – لم يكن ذلك حائلا بين استمرار صداقتنا ، بل تشاركنا فى احداث كثيرة لعل ابرزها فى السنوات الاخيرة اعتصام المثقفين الشهير بمبنى وزارة الثقافة و الذى كان احد شرارات 30 يونيو .
رحم الله ( الرفاعى ) الناقد و الكاتب و السيناريست و المناضل و قبل كل هذا الصديق الصدوق الذى تحلى دائما باخلاق الفرسان و اطال الله فى عمر الصادقين و الموضوعيين القلائل