عصام السيد

مخرج مسرحي

 

عندما فاز المخرج الكبير فهمى الخولى بجائزة الدولة التقديرية فى الفنون ، سألنى مخرج شاب مستنكرا : ماذا قدم الاستاذ فهمى للمسرح للفوز بهذه الجائزة ؟
كانت الاجابة بالنسبة لى سهلة ، فربما جيل اليوم لم تتح له فرصة مشاهدة واحد من نجوم جيل السبعينات فى المسرح ، الذى كنا ننتظر عروضه بشغف و نداوم على حضورها بإصرار ، سواء فى مسرح الهواة أو المسرح المحترف . فمعظم عروض الاستاذ فهمى مثيرة للجدل و داعية للتفكير و إعادة النظر ، فله لغة خاصة جماليا و خط فكرى واضح
و مضيت أعدد للزميل الشاب أسماء عروض كثيرة للاستاذ فهمى أصابت نجاحا و اثارت دويا و صاحبها لغط ، و برغم حديثى فإنى معترف بأن من سمع ليس كمن رأى ، و لكننا للاسف لا نملك ذاكرة مسرحية مرئية ، و دراساتنا النقدية فى مجال الاخراج قليلة و حتى المتوفر عن ذلك الجيل حاليا  نادر و لا يتعدى بضع مقالات صحفية عن عروضه لا ترقى لمستوى الدراسات المرجوة لجيل ملأ الدنيا ضجيجا على المستوى الفنى ، و لكن مشكلته أنه أتى فى عصر نفضت فيه الدولة يدها من الاهتمام بالفن و الثقافة ، فأين المسرح فى السبعينات – و هو محاصر داخل ابنيته – من مسرح الستينات الذى ساندته الدولة و أفردت له الامكانيات و فرضت اذاعته تليفزيونيا فاتسعت رقعة مشاهديه و أصبح صناعه نجوما ؟
و بينما أنا مستغرق فى الاجابة وجدتنى اكتشف سمات رئيسة فى مسرح فهمى الخولى بعضها  يتعلق بالشكل و الاخرى بالمضمون ، ربما كانت احداها سببا فى عدم وجود أعماله فى الذاكرة البصرية  . فالاستاذ فهمى فى اختيارته للنصوص يملك حسا ثوريا يدل على انحيازه للمسرح الذى يحمل رسالة تسعى لتغيير المجتمع أو على الأقل لتطويره ، و لذا نجده غالبا ما يختار نصوصا منعتها الرقابة لما تحمل من اراء جريئة و شحنة فكرية ، و يتجه بها الى مسرح الهواة – الذى كان متنفسا فى ذلك الوقت – فنراه يقدم – على سبيل المثال لا الحصر – لكلية حقوق عين شمس و من بعدها لمنتخب جامعة عين شمس مسرحية باب الفتوح لمحمود دياب ، و قدم لشركة النصر للسيارات مسرحيتى سعد الدين وهبة : سبع سواقى و المحروسة 2015  و رسول من قرية تميرا لمحمود دياب ، و كل هذه المسرحيات منعتها الرقابة من العرض على المسارح المحترفة فى ذلك الوقت . بل انه قدم فى كلية الاداب جامعة القاهرة مسرحية تاجر البندقية لشكسبير بعد عودة السادات من زيارة القدس و ربط بين النص و الظرف التاريخى فى اثناء فوران الجامعات ضد الزيارة
و حتى عروضه على مسرح الدولة لم تخل من مشاكل مع الرقابة ، كما حدث فى عرض الرهائن لعبد العزيز حموده انتاج مسرح السلام و عرض نقول ايه لأحمد عفيفى الذى قدمه فى شركة النصر للسيارات بإسمه الاصلى ( نقول تور ) و بعد مداولات و مناوشات مع الرقابة أعاد تقديمه على مسرح السلام  بالاسم الجديد . و هكذا كان مسرح الهواة يكفل للمخرج المتمرد فهمى الخولى مساحة حرية اكبر للتعبير عن نفسه و عن  اتجاهه الفكرى . و بالتالى فإن غالبية هذه العروض – و خاصة عروض الهواة – لم تسجل و لم يتبق منها الا بعض صور قديمة و مقالات قليلة لا وجود لها على الشبكة العنكبوتية حاليا . و لا عزاء لجيل تحمّل الكثير ليقدم مسرحا ملتزما و لا عزاء لجيل جديد يظن انه يخترع العجلة .
و على مستوى الشكل فإن لفهمى الخولى أسلوبه الخاص فى الاخراج ، فبرغم انه ينحى للمدرسة الشكلية الجمالية ، إلا أنه أخضع مفرداتها للمعانى التى يتضمنها العرض ، ، لذا إهتم بالسينوغرافيا بكافة عناصرها من ضوء و لون و حركة و كتلة ( و صوت ايضا فى بعض الاحيان ) ، فالمرآة المعلقة فوق رؤوس الاشهاد فى الوزير العاشق ، و الثدى الذى يتم عصره لينزف الشهداء فى سبع سواقى ، و الثور الحديدى المفرغ فى نقول ايه ، كلها تشهد له بعين جمالية مميزة ، و لكن الابهار ازداد فى تلك العروض بتوظيف الشكل الجمالى عن طريق وضع  جسد الممثل فى بيئة تسمح بإعادة التشكيل ، و عن طريق تكوينات الاجساد و فكها و اعاة تكوينها بصيغ مختلفة و متعددة ، فيتجدد امامك المرأى برغم المنظر الثابت ، و يدفعك الى مزيد من الفهم و فك شفرات العرض لتصلك الرسالة باكثر من طريقة و بأكثر من وسيلة . و هكذا كانت التشكيلات الجماعية بأجساد الممثلين وسيلة و غاية عند الخولى : وسيلة لمعنى و غاية لشكلها الجمالى المبهر . و على جانب آخر فإن مغامرات الخولى الشكلانية امتدت لتحاول الخروج من المعمار التقليدى الى فضاء مختلف بتجربة سالومى لمحمد سلماوى عن طريق مشاهدة العرض من على مركب .
و فى اعتقادى الشخصى أن الخولى ينتمى لفصيل ( رجل المسرح ) و ليس مجرد ( مخرج ) فحسب ، فعندما تصدى للادارة شهدنا فى مسرح السلام تحت قيادته نشاطا و حراكا مسرحيا قويا وصل الى تقديم ثلاث عروض يوميا ، من خلالها قدم تجارب هامة لمخرجين جدد ، و هذا يحسب له فكم شهدنا مخرجين عظام عندما تصدوا للادارة افشلوا الجميع من اجل ان يتصدروا هم الساحة .
و للاسف بعد أن أجبت صديقى الشاب حزنت على عدم وجود ” أرشيف قومى ” يحفظ للاجيال الجديدة تاريخ الفن المسرحى – و ليس تاريخ الفرق المسرحية و ما قدمت من عروض – سواء بالدراسات الجادة الاكاديمية أو المشاهدات البصرية ، و إذا كانت وزارة الثقافة حاليا تتجه لتصوير العروض فالجدير بها أن تدفع الخولى الى تصوير اعماله الهامة بنسخ اخراجها الاصلية ، و ربما نجد باحثا مسرحيا يتعمق فى مدرسة فهمى الخولى و اسلوبه المسرحى لتكتمل المتعة و تتعمق المعرفة ، فنحن لا نملك كثيرين مثله .