ليس كل مخرج صانعا للكوميديا؛ فالكوميديا لها قوانين وقواعد أخرى في صياغتها وصناعتها؛ هذا ما يجعلها عصية على البعض؛ ليس شرطا أن يمتلك كل مخرج ماهر ملكة وقدرة على صناعة عمل كوميدي ناجح؛ قد يخفق أحيانا بعض الكبار في صناعة عمل كوميدي جيد؛ هل المسألة تعود لخفة دم المخرج صاحب العمل أو خفة دم المؤلف؟!؛ في الواقع لا ترتبط المسألة بمدى خفة دم الأشخاص صناع هذه الأعمال بدليل أن بعض الكوميديانات يتسمون بالجدية والصارمة في حياتهم الواقعية؛ بينما تتوقف المسألة على مدى إدراك المخرج والمؤلف لكيفية صناعة الضحك؛ بجانب مدى إدراكه لتطور صناعة الضحك مع تصاعده أو هبوطه حسب تبدل الزمن والمجتمع المستقبل له؛ وأشكال تطوره في أوقات متفرقة؛ أدرك المخرج عصام السيد واقع ووضع كل زمن قدم فيه أعماله المسرحية المختلفة؛ التي إعتمدت على كوميديا تحمل مزيج من الرفاهية والفكر؛ نوع من الكوميديا إمتلك موهبة الكتابة لها الراحل لينين الرملي؛ واتسع أفق وإدراك السيد لتحويل هذه الكتابات إلى أعمال مسرحية كوميدية ناجحة.
“الجهد المتكامل هو أن تعمل على محو آثار ما بذلت من جهد لترقى بالإنتاج إلى درجة البساطة الطبيعية هكذا يقول شيشرون؛ “أنه لمن الفن أن يبدو العمل خاليا من الفن!”..يصل هذا الرجل إلى تحليل البساطة والتلقائية في تقديم العمل الفني إلى هذا الحد؛ خاصة في الأعمال الكوميدية المترتب عليها تقديم صيغة فنية طبيعية لإضحاك الجمهور؛ هكذا كان عصام السيد في إخراج أعماله الفنية التي إعتمدت على بساطة وتلقائية وكأنها قدمت بلا جهد؛ في حين أنه يبذل الكثير من الجهد والعمل لإخراج أعماله الفنية للنور؛ وفي كتاب المسرح الفرنسي المعاصر فرد المؤلف فصلا كاملا عن النظريات وفلسفة صناعة الضحك وكيفية صياغته في عمل فني قادر على إدخال البهجة على الجمهور؛ وفي استعراض سريع لوجهات نظر المفكرين في فلسفة الضحك صاغ المؤلف وجهة نظر كل منهم في سطر أو أكثر؛ يعبر عن وجهة نظره في فعل الضحك من الفاعل الممثل والمتلقي لهذا الفعل الجمهور، في مقدمتهم قال برجسون أنه يمكن تلخيص نظرية أسباب الضحك في العبارة الآتية.. “ينجم الضحك عن كل ما يبدو لنا واقعيا من صميم الحياة وفي الوقت نفسه يبدو لنا مدبرا تدبيرا آليا”، بينما قال ملينان “ينجم الضحك عن كل ما يدخل في نطاق السخف والحمق وفي الوقت نفسه نشعر بأنه عادي مألوف لنا”، ثم تأتي نظرية لوسيان فابر لتقول “ينجم الضحك عن كل ما يثير في النفس القلق والخوف في البداية ثم ينتهي بنهاية سعيدة” بينما أنهى “مارسيل بانيول” هذا الجدل في كتابه “على هامش الضحك”.. ليهدم هذه النظريات جميعا ويعرض وجهة نظره ونظريته في الضحك حيث يرى.. “أنه ليس في الطبيعة مصادر ينجم عنها الضحك لأنه ليس هناك شيء مضحك في ذاته ويرى في اعتقاده أن الضحك يأتي من الشعور بالتفوق والنصر بمعنى إحساس الجمهور بالتفوق، فالضحك في رأيه هو صيحة النصر وتعبير التفوق المؤقت الذي يشعر به الضاحك على الشخص الذي يضحك منه ويشرح وجهة نظره بمثال لفنان الكاركاتيور يقول.. “أن هذا هو الإتجاه الذي ينتحيه فنان الكاركاتيور لإثارة الضحك فهو يعتمد على اختيار رسم يتيح للقارىء لذة الإنتقام فنراه مثلا يدق على رأس ملك تافه أرعن أو كاتب متعجرف فاشل فيأتي رسمه مثيرا للضحك لأنه يشعر القارىء بالتفوق والنصر وبالتالي يستخدم كتاب الكوميديا هذا المنطق في صناعة مواقف مضحكة داخل أعمالهم المسرحية.
هل يتبع المخرجون هذه النظريات المحددة في تقديم أعمالهم المسرحية؛ قد لايتبع المخرج نظرية بعينها لكنك ستجد هذه النظريات متحققة بأشكال متفرقة في العروض الكوميدية الناجحة؛ اختار عصام السيد طريق الكوميديا دون قصد أو تعمد لهذا الإختيار؛ عندما كان طالبا بالجامعة قدم نص “كباريه سياسي” بعنوان “سبرتو على جروح بلدنا” تأليف محمود الطوخي و أحمد بدير، وكان وقتها شيء جديد في فترة السبعينيات، نال العمل نجاحا كبيرا في الجامعة وحصل على جائزة بعدها؛ ثم التحق بالفرقة الغنائية الإستعراضية من وقتها أصبحت كل اختياراته في مجال الكوميديا؛ ومعظمها كانت عروضا مؤلفة وليست نصوصا عالمية؛ قدم أولى عروضه المحترفة بعنوان “درب عسكر” تناول العرض تاريخ الإرتجال من القرن التاسع عشر حتى عام 1956 للكاتب محسن مصليحي، كان يحمل العمل مشاهد يقدمها المرتجلين حسب كتاب الدكتور علي الراعي “المسرح المرتجل” لكن وقتها قرر السيد تقديم ارتجال على اليوم الحاضر، ليس بنفس صيغة علي الراعي القديمة وهذا يؤكد على انشغال هذا الرجل دائما بتقديم كوميديا تمس الواقع من قلب الحياة الحالية، وكان وقتها “درب عسكر” اول عمل يحمل ارتجال كامل في مصر، قال عنه الكثير من النقاد ان المسرح قبل “درب عسكر” غير المسرح بعده، قدمه في غرفة المسرح المتجول 1984؛ كان اول عرض بالقطاع العام؛ ثم قدم “عجبي” بالمسرح القومي عن صلاح جاهين، لكنه كان نوعا مختلف من الإرتجال، كان يعتمد على التفاعل مع الجمهور ويعرض لبعض الوقائع التي حدثت في حياته في تفاعل مع الصالة، قدم من خلال العرض واقعة عندما كان لم يجد مطربين لغناء اغنية كتبها عام 1956 فاستعان بعمال الإذاعة وقاموا بغنائها، ومن قام بدور صلاح جاهين كان يقول على المسرح “لو سمحتوا مش لاقيين حد يغني الأغنية دي ممكن حد يساعدنا” وهناك من يرفع يده من الجمهور، ثم يصعد على المسرح ويحفظ الأغنية ويقوم بأدائها كانت هذه التجربة اول علاقة بالصالة مع العرض، وفي المشهد الثاني كان له علاقة بالإنتخابات الناس بتلف وتضع الورق في الصندوق والصندوق يتغير امامها كان هذا الشكل جديد تماما على المسرح.
اتخذ المخرج عصام السيد من الإرتجال منهج في عروضه المسرحية لكنه في الوقت نفسه يؤكد “أن هناك ممثلين غير صالحين لتعلم الإرتجال لأنه موهبة مثل التمثيل تماما، موهبة الإرتجال إذا كانت غير موجودة صعب تعلمها حتى ولو كان الممثل نجم كبير”، ويعرف الإرتجال بأن هناك مدارس عديدة لكنه ليس خروجا عن النص، ويضرب مثلا بعرضه الأشهر “درب عسكر” في كل بلد كنا نسافر للعرض بها كان لابد أن نضيف اشياء خاصة بطبيعة هذا البلد، مشاهد الممثلين كلها كانت مترجلة ويتم تثبيتها إلا مشهد واحد نضيف عليه الجديد التابع للبلد الذي يعرض بها، في حين أنه يشير في مقالاته خطورة خضوع العرض للإرتجال بشكل دائم، لأن هذا من الممكن أن يؤدي إلى تفسخ الدراما، لأن المرتجلين القدامى كانت عادة لديهم شخصيات ثابتة يرتجلون من خلالها، أو نمر ثابتة تدخل في قلب العروض، ويروي أن.. “هناك نوعا آخر من الإرتجال أن تحدث حادثة يتم تثبيتها داخل العرض مثلما حدث من قبل مع يعقوب صنوع حيث كان يقدم مشهد يقتل الممثل زميله في العرض، فأحد الحاضرين من الجمهور انفعل بشدة وتصور أن الأمر حقيقيا فصرخ مناديا العسكري، حتى يأتي لمنع هذه الجريمة..!؛ ضحك الجمهور من الموقف، وصعد العسكري على المسرح بالفعل وكان مشهد طبيعي، ولم يتكرر في اليوم التالي لكن المفارقة أن الجمهور طلب إعادته، فأصبح جزء يومي من العرض، عكس الأسلوب الحديث لبيتر بروك الذي يعتمد على صياغة وارتجال العمل بالكامل حول فكرة محددة، في عرضه عن فيتنام بدأ بجمع مادة عنها ثم تمت صياغتها في شهادات هذه الشهادت قام بتحويلها إلى مشاهد وهكذا ليخرج عرض “يو.إس” لم يكن وحده من بدع هذا الأسلوب لكنه الأشهر، قبله كانت جوان ليتلوود مخرجة إنجليزية هي من بدأت هذه الفكرة لكنها بدأتها بطريقة أخرى عن طريق الإرتجال من أجل التدريب ثم أصبح الإرتجال ليس هدفا في حد ذاته ولكن وسيلة لإنتاج عروض قدمت عرض 1945 عن الحرب العالمية الثانية مرتجل بالكامل”
قدم عصام السيد الكثير من عروض المسرح في القطاع الخاص مع عدد كبير من النجوم بإستثناءعادل إمام ومحمد صبحي، أخرج للفنان فؤاد المهندس، شويكار، سعيد صالح، أحمد بدير، محمود الجندي، نور الشريف، بوسي، محمد عوض، سعيد عبد الغني، وآخرين؛ بالطبع كانت له ذكريات تجمعه بالراحل فؤاد المهندس؛ يتذكره ويقول عنه..ويشرح منطقه وأسلوبه في كيفية إخراج عمل كوميدي..
“فؤاد المهندس كان اسمه “الأستاذ” هذه الكلمة لم يكن لها مرادفا آخر سوى فؤاد المهندس، ذهبت للعمل معه في “روحية اتخطفت” كنت شابا صغيرا، لم أقدم سوى ثلاث عروض ناجحة بقوة “اهلا يا بكوات”، “البعبع” لسعيد صالح، و”عبده يتحدى رامبو” لمحمد نجم، في “روحية اتخطفت” كان النص يكتب على ايدينا وعندما يقرأ مشهد كان يقول “لا ده سيبهولي انا بقى”.. في الواقع كان يدهشني ويثير غيظي هذا التعبير، وكنت اتبع منهج الإكثار من بروفات الأولى “بروفات الترابيزة” فلا يمكن القيام بحركة إلا بعد أن يكون النص شبه محفوظ بشكل كامل، هذه البروفات الأولى تساهم في تخليق الشخصية واشياء حولها، وهذا ما جعلني متفق دائما مع لينين الرملي، لأن الفن المنضبط هو الذي يخرج الضحك، وليس مجرد الإفيهات، الشخصية المنضبطة هي المثيرة للإضحاك، بدأت ادخل في ضيق وتوتر بسبب شعوري بعدم ثقته؛ ذهبت للمنتج وقلت له أنني لا استطيع التعامل مع الأستاذ، وطلبت الإعتذار لأنه هو النجم الذي سوف يبيع به العرض، وأنا مازلت شابا صغيرا غير معروف، لكنني فوجئت برد عصام إمام قال لي “انت المخرج اتصرف مش عاوزه ماشيه” بالطبع اصابني الذهول الشديد “أمشي مين؟!” ..بدأت افكر بشكل آخر، لم أذكر له ملاحظات أثناء البروفات ولكن كنت استغل فترة الإستراحة وإهمس له في أذنه بالملاحظات وفهمت أن المسألة تتعلق بأسلوب عرضي للملاحظات لا يصح أن تكون أمام الناس، في الواقع هو لم يتعمد ذلك لكنه “الأستاذ”، المشكلة الثانية كانت في اول بروفة حركة قال لي ..”أنا عندي القلب ومحدش يعرف ومش عاوز اتحرك كثيرا؛ أعمل الحركة وانا جالس تحت سأراها واحفظها” بالطبع لم استرح لهذه المسألة كان مشهدا طويلا سيقول فيه خطبة، ولن تُضحك لأنها تحتوي على الكثير من المعلومات، حتى يتم بناء المسرحية عليها، والخطبة أمام وسائل إعلام فكرت أن تكون هناك مذيعة تليفزيون تؤكد عليه طول الوقت أن يضع فمه دائما في الميكرفون والميكرفون الطويل ممسوكا بالعصا وهو مطالب أن يلاحق الميكروفون في حركته الغير مستقيمة حتى يظل فمه في “المايك” بدأ يطلع وينزل وينام على المكتب ويتقلب حتى يلحق به، بعد انتهاء المشهد صفق لي ولانت العلاقة بيننا كثيرا، كان يتميز برفضه التام للخروج عن النص، ولا يحب أي شيء به إشارة خارجة أو تلميحات متجاوزة”.. قال النجم فؤاد المهندس بعد هذا العرض عن المخرج عصام السيد في لقاء تليفزيوني.. “جاءني شاب صغير 28 سنة وكان هو 38 وقتها .. قولت ايه ده صغير اوي بس بعد ما اخرج لي اكتشفت انه اخترااااع”، كانت شهادة كبيرة في حق السيد بجانب أن البكوات صنعت له ارضية ساعدته إلى حد كبير في مشواره الفني.
كانت للمخرج عصام السيد تجربة أخرى مع الراحل سعيد صالح في الثقافة الجماهيرية قدما عرض خلال شهر رمضان بحي الحسين “شرم برم” لبيرم التونسي؛ ثم قدما “حلو الكلام” مسرحية أخرى ظلت سنوات طويلة، ويؤكد السيد دائما أن سعيد صالح من أحلى وأمتع الكوميديانات في تاريخ مصر، بسبب عفويته الشديدة وهناك حالة من الحب تجاهه على المسرح غير عادية، مجرد رؤيته مثيرة للبهجة، كانت بينهما علاقة قوية بالمسرح؛ ثم عن تجربته مع نور الشريف يقول عنها ..”بدأت العمل مع نور الشريف في “كنت فين يا علي” بطولة بوسي ومحمد عوض وسعيد عبد الغني هو مأخوذ عن نص فرنسي “ايرما لا دوس”، كان يقوم بدور العسكري، نور الشريف كان خجولا للغاية أن يُضحك الجمهور؛ حاولت اقناعه بأشياء للإضحاك لكنه كان يرفضها تماما، في حين أنه كان ماهرا للغاية في تقليد الفنانين من أفضل من قاموا بتقليد اسماعيل ياسين على سبيل المثال وهذه الملكة لا يعرفها عنه الكثيرين، لأنه كان يرفض رفض تام أن يقوم بذلك بشكل متكرر بسبب خجله الشديد كان “مكتف نفسه..؛ في المسرحية الشخصية المكتوبة على الورق كانت مثيرة للضحك وحدها؛ لأن الضحك فيها يعتمد على التمثيل المتقن، وليس الإفيه اللفظي وبالتالي وجهة نظري أن أي ممثل جيد من السهل أن يضحك الجمهور، المسألة ليست لها علاقة بالتنكيت هناك كوميديانات لم يقولوا لفظا واحدا في حياتهم مثل مستر “بين” لمدة 10 سنوات يضحك بلا كلمة معتمد فقط على إصدار الأصوات”.
عندما يتحدث المخرج عصام السيد عن بداية مشوراه الفني لابد دون تردد أن يتحدث بحب واستفاضة بالغة عن أستاذه المخرج الراحل حسن عبد السلام كيف أثر في مشواره وكيف علمه صياغة وإخراج عمل فني..يحكي عن بداية التعاون معه..
“هو استاذي ومن علمني وقدمني، منحني مسرحية في البداية وطلب مني تقسيمها لمشاهد، ثم بدأ يسألني هل ترى أن هذه المشاهد متسقة معا؟، هل هناك مشاهد زيادة او طويلة؟، علمني تحليل النص المسرحي دون ذكر أنه يعلمني، ثم سألني كيف يتم إخراج هذا المشهد أو ذاك؟، حسن عبد السلام لم يفكر فقط في شكل تفاصيل الشخصيات على الورق بينما كان يفكر فيما وراء هذه الشخصية، كان يفكر بطريقة مختلفة تماما، رجل مختلف ومبهر، في مسرحية “أهلا يا دكتور” عمل شيء غريب كتب على الإفيش المخرج عصام السيد إخراج حسن عبد السلام، رفضت ورجوته ألا يضع اسمي معه لأن هذا لا يصح، لكنه رفض واعتبر أن هذه مكافأة لي على شدة إخلاصي في العمل، وقتها كان هناك خلاف حاد بين المؤلف وثلاثي أضواء المسرح ولم يشأ المؤلف تسليمي النص إلا بعد حصوله على وصل أمانة بالا يتغير فيه شيء، وبالتالي اعتبر حسن عبد السلام تحملي هذه المسئولية شدة إخلاص وتفاني في العمل”
مرحلة أخرى جديدة ومتطورة في صناعة الكوميديا بدأت عندما شكل السيد ثنائي فني مع المؤلف الراحل ليينين الرملي قدما معا أعمالا مسرحية هامة؛ وفي حين كان يرفض الرملي العبث بكتاباته من قبل المخرجين إلا أنه كان يلين ويتشاور مع صديقه حتى يصلا إلى اتفاق على ما سيتم تقديمه على المسرح؛ ويشرح ذلك في قوله ..”مسألة رفض لينين للتدخل في نصوصه بشكل تام غير صحيحية نحن نقرأ المشهد معا، ومن الممكن جدا ممثل يطلب منه إضافة شيء قد يرفض أو يقبل حسب ما يراه ملائما لبناء النص بشكل كامل، أيام عرض “في بيتنا شبح” كنت أجده يضع افيهات جديدة لماجد الكدواني، لأن لينين لا ينتهي العمل عنده، إذا رأي المشهد في اليوم التالي قد يضيف ويحذف، بدأت علاقتي بالرملي أثناء عرض “تخاريف” لمحمد صبحي طلبني الرملي لإخراج نص “أهلا يا بكوات” وبالفعل قدم العرض عام 1989 ونجح نجاحا كبيرا حتى أن محمد صبحي عندما شاهده طلب منه عمل مثله فقدموا “وجهة نظر” وبعدها انفصلا الثنائي؛ ..”بعد “البكوات” ابتعدنا فترة ولم نعمل معا بعد مسرحية “الحادثة” عام 94 حتى 97، قدم فيها مشروعه في الإسكندرية، ثم قدمنا “تكسب يا خيشة”، وعرض علي نص “اللهم اجعله خير” لكنني رفضت وقتها بسبب مسئوليتي بالمسرح الكوميدي فأخرجه محسن حلمي، ما جمعني بالرملي هو اتفاقانا على مبدأ أن “التمثيل” يخرج الضحك حتى ولو في القطاع خاص، لأن النكت سهلة لكنها لا تعيش والأصعب صناعة الموقف المضحك، كنت احافظ على ورقه للغاية، لأن بناؤه محكم، إذا حذف أو أضيف له قد يفسده، لكن من الممكن النقاش والتحاور حول بعض الأشياء واذكر أننا جلسنا ثلاثة أيام لتغيير نهاية “البكوات” وتعديلها، وبالتالي لينين الرملي ليس بالصورة التي صورها عنه الناس، هو رجل يعتز بما يكتب لأنه بذل فيه جهد ضخم، ويجلس على كتابته سنوات، وعمله لا يتنتهي يزيد ويضيف ويعدل دائما وبعد افتتاح “في بيتنا شبح” اختصرنا مشهدا.
مع امتلاك المهارة والفكر والرؤية في صناعة الكوميديا كان لابد أن يتوقف عصام السيد عند محطة هامة في حياته المهنية وقت توليه إدراة المسرح الكوميدي الذذي صنع منه منفذا للثقافة وليس مجرد مسرح لإنتاج مجموعة من الأعمال الكوميدية فقط؛ تولى إدارة المسرح الكوميدي عام 1995 حتى 2002، في هذه الفترة كانت هناك حوادث إرهابية عديدة ومن شدة ذكاءه قرر مواجهة ذلك بالإهتمام بصناعة الفكر والفن حتى ولو مجرد إدراة كيان مسرحي صغير؛ قرر أن يصنع منه صرحا ثقافيا ومنارة للمعرفة؛ حول المسرح إلى مركز ثقافي، ولم يكتف بكونه درارا للعرض، كان همه تحويل المكان لمركز ثقافي له إشعاع خاص، جدد مبنى المسرح وكان لديه مشروع الجريدة الحية بمعنى أن يقدم عرض صغير قبل العرض السواريه، عمل نقدي قصير “كباريه سياسي” مثل الجريدة الحية؛ تحدث مع نبيل بدران ومحمود الطوخي ومحسن مصليحي، كان بمثابة نشرة اخبار المسرح الكوميدي، وكان يذاع وقتها برنامج “صباح الخير يا مصر” فقررنا تسمية العرض “مساء الخير يا مصر” بإعتباره سيعرض عكس ما يراه المواطن نهارا، عن تلك الفترة يحكي عصام السيد في متعة بالغة..”كتب محسن مصيلحي نص كامل “خطوط حمراء” اتصلت بناصر عبد المنعم شكلنا فريق عمل وبدأنا، ثم قدمت أمسية عن صلاح جاهين ومعرض كاريكاتيور لأحمد رجب ومصطفى حسين وعرض لفرقة مستقلة مأخوذ عن أعمال مصطفى حسين وأحمد رجب إخراج طارق سعيد كان بطولة الوجه الجديد سيد الرومي، فتحنا في يناير مساء “الخير يا مصر” جاء فاروق حسني لمشاهدته، وكان سعيدا بالمسرح ولوحة صلاح عناني لكنه خرج بعد الفصل الأول، لأن العمل كان يحمل نقدا لاذعا للدولة وهدد العرض بالتوقف، ووقتها أطلق على المسرح الكوميدي “روزاليوسف المسرح المصري”، كافحت حتى لا يتوقف العرض، قدم لمدة ثلاثة أشهر ونجح للغاية ويرجع جزء كبير من هذا النجاح إلى محمد منير لأنه كان مطرب العرض، اثناء ذلك لم اتوقف عن الإنتاج؛ كانت هناك عروضا أخرى تسير في عدة مسارات، عرض لشباب جدد في رمضان؛ حيث حصلت على قصر الغوري وقدمنا عرض بنهاد كمال ثم عروض الفصل الواحد قدمه حمادة شوشة اول عرض لأحمد رزق؛ هناك مخرجين مثل بديوي عبد الظاهر اخذ فرصة، ثم خالد جلال في “البخيل”، في نفس التوقيت قدمت عروض “مولد سيدي المرعب” ليوسف عوف بطولة نجاح الموجي، رانيا فريد شوقي، إخراج محمد ابو داوود “أنا والبنت بتاعتي” بطولة سماح انور و تأليف محمود الطوخي، و إخراج رزيق البهنساوى “رصاصة في القلب” إخراج حسن عبد السلام، ثم قدم الراحل سعد أردش في الكوميدي نص لصفوت شعلان : ” انت فين يا جميل ” ، محسن حلمي، وناصر عبد المنعم “مصر لما تضحك”، لم أتوقف يوما كان المسرح الكوميدي يقدم 3 عروض في وقت واحد، “البخيل، و”مولد سيدي المرعب” في الإسكندرية، و”أنا والبنت بتاعتي” في القاهرة، وكنت مستعد لتقديم أربعة عروض، ومجدي مجاهد قدم “الخطوبة” بطولة عبد الرحمن ابو زهرة وسناء يونس كان لدي انتاج قوي جدا خلال تلك الفترة كل الأجيال عملت بالمسرح الكوميدي؛ وبالنسبة للكتب كان هناك 2000 جنيه يتم صرفهم لكتيبات العروض، الذي قد يأخذها الجمهور ويلقيها في الشارع، ففكرت أنه ليس له قيمة، ومن الأفضل إستغلال هذه الأموال وطباعة كتب بها ، بدأت بطبع اشعار واغاني “القاهرة في الف عام” لصلاح جاهين كانت لم تصدر وقتها الأعمال الكاملة، وكانت هذه الأشعار مفقودة وجدتها عن طريق المصادفة بالمخزن، ثم أصدرنا كتاب عن “منيرة المهدية” للدكتور سامي عبد الحليم، ومسرحيتن لأمين صدقي عندما صدرت الكتب فوجئت أن هناك من لديه مسرحياته، كان اشهر مؤلف في عصره، ومسألة أنني وجدت له مسرحيتين تعتبر ثروة طبعنا دراسة مقارنة مصاحبة لهما، ثم اوبريت لبيرم التونسي لم ينشروا من قبل “بتر فلاي”، “ياسمينا”، نصين نادرين له ، وكتاب آخر عن عزيز عيد كتبته صفاء الطوخي كان أكثر من رائع، هذا الرجل ظلم وهو أول رجل يحمل لقب مخرج مسرحي في مصر، بعدها طبعنا كتاب عمل ضجة عن أزمة المسرح وهو عبارة عن تجميع مقالات من عام 1910 حتى 1990 عن “أزمة المسرح” هذا الكتاب رصد مقالات مجمعة كل عشر سنوات تبين أننا نتحدث عن أزمة المسرح بشكل دائم منذ عام 1910ا، ثم كانت لدينا معارض كاريكاتيور لمصطفى حسين، صلاح جاهين حسن حاكم، جمعة، رؤوف عياد، وحجازي واتذكر أن وقت معرض حسن حاكم كان مريضا عندما علم بإفتتاح معرضه لكنه جاء المسرح كي يفتتحه بنفسه و ظل ثلاثة اشهر، كان عندي مدخل فارغ غير مستغل علقت فيه مجموعة بانوهات بيضاء وإضاءة وأنشأنا هذا المعرض، ثم قررت إقامة أمسيات فنية امسية عن أشعار صلاح جاهين ، قدمها بهاء جاهين وامين حداد و ريم حجاب و محمد بغدادي ومحمد بهجت، وامسية ثانية عن كتاب “النكتة السياسية” لعادل حمودة ، فوجئت يومها بعادل إمام جاء خصيصا للحضور، في تلك الفترة اطلق على المسرح الكوميدي روزاليوسف المسرح المصري بسبب الشكل النقدي الذي كانت تقدم عليه العروض مثل “مساء الخير يا مصر” وهناك حادثة شهيرة في يوم عندما كنت جالسا بالمسرح قالوا أن السفير الإسرائيلي جاء وقطع تذكرة ودخل والعرض ترددت حول فكرة غلق العرض والإعتذار عنه؛ وكان به نقدا شديدا لكارتر ونتيناهو نزلت الكواليس تشاورت مع الممثلين من اجل اغلاق العرض و لكن قررنا تقديمه العرض، واتفقنا أن كل النقد الخاص بالدولة أو الدول العربية سيتم حذفه ويبقى فقط ما يخص أمريكا واسرائيل، انتهى العرض وقررنا إطفاء نور المسرح مباشرة ودعوة الناس للمغادرة” حتى لا يضطر الممثلون لمصافحة السفير .
تطور شكل صناعة الكوميديا عبر الأزمنة
كما ذكرنا يتطور شكل صياغة وصناعة عمل كوميدي حسب الظرف التاريخي والسياسي والإجتماعي لكل زمن؛ وكان للمخرج عصام السيد رأي في أشكال تطور صناعة الكوميديا يشرح ويحلل حول سبب تراجع الفن الكوميدي اليوم.. “الظرف السياسي والإقتصادي الحالي له علاقة قوية للغاية ، من وجهة نظري فإن اعظم مخرج في تاريخ مصر : “عزيز عيد” قدم ايام الحرب العالمية الأولي 1917 عرض اسمه “سكرة بنت دين كلب” فُتح العرض وقتها في كباريه ؛ ظرف الحرب جعل فنانا يقدم عرضا بهذا الشكل؛ ثم الظرف المجتمعي الإنفتاح في السبعينيات اخرج 16 فرقة قطاع خاص على رأسها المتحدين؛ و فى نهاية القائمة حمامة العطار؛ فلم يكن كل شيء عظيم من قبل؛ الظرف السياسي مؤثر للغاية بعد 2011 الناس كانت تشبعت بالأحداث السياسية والتوتر؛ وبالتالي الناس تحتاج الضحك حتى ولو على اي شيء؛ بعد الثورات تحدث دائما هذه الهزات في كل شيء؛ بعد 52 ظهرت “ساعة لقبلك”؛ وليس هناك فرقا بينها وبين مسرح مصر؛ كانت مجموعة من الإسكشتات الضاحكة في الإذاعة ، هذا شيء طبيعي؛ و لكن حاليا هناك للأسف نظرة استعلاء؛ رغم أن هذا هو مجتمعنا وهذا هو نتاجه؛ عندما يتحسن المجتمع يظهر الجديد و الجيد ؛ كلما تغيرت الظروف؛ تتغير الأشياء؛ ذوق الجمهور يتغير كل عشر سنوات؛ تكون هناك ظروف جديدة واشياء جديدة . اليوم هناك يوتيوب 2005 لم يكن موجود اي شخص بيعمل فيديو يأتي بمشاهدات عالية وبالتالي ليس هناك مقياس للجمهور؛ الطبقة الوسطى هي المستهلكة والمنتجة للفن؛ واليوم ليست هناك طبقة وسطى انهارت؛ لأن كلمة طبقة نطلقها على كل مجموعة من البشر ، عندما تدرك مصالحها و تحاول تحقيقها و تبدأ في إنتاج ثقافتها”.