شرفت بالسفر كثيرا في مختلف أقاليم مصر مع الأستاذ عصام السيد .. حيث كان هو يتولي الإشراف علي إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة وكنت انا محررا بالقسم الأدبي ومن بعده قسم الفنون بالأهرام ..وكما قال الشافعي سافر ففي السفر خمس فوائد .. تفريغ هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد .. وماجد الذي كنت أفوز بصحبته هو غالبا الأسم الحركي لعصام السيد
.. زرت معه أماكن عديدة في الأسكندرية وأسيوط وبور سعيد وشرم الشيخ .. وهو بالفعل شيخ حارة كل مدينة .. يعرف موقعه في شوارع بورسعيد من شكل ورائحة البيوت الخشبية التي كانت تبنى أعمدتها من الخشب القديم ولازالت قائمة إلي الآن تحمل طابعا مميزا وربما بين شقوق الخشب فيها ابتسامة ساخرة من الأبنية الأسمنتية الحديثة التي لا تصمد طويلا لعوامل الجو ومرور السنين .. ويعرف علي كورنيش أسيوط أسماء محلات السمك والفارق في المذاق بينها وكأنما قضي حياته في تلك المدينة .. كما يعرف أين يباع أدوات الغطس في شرم الشيخ علما بأنه يجلس علي الشاطئ دائما مستمتعا بحمامه الشمسي مكتفيا بدور المخرج الذي يوجه السباحين والغطاسين إلي أداء دورهم .. وتدهش أنه يعرف أسماء المقاهي التي تقوم بطحن البن الطازج بجوار ميناء بورسعيد ويسير علي قدميه لهذا المقهي في أكثر من ساعتين أجر أقدامي خلفه من التعب حتي نصل إلي المقهي المنشود وهناك اكتشف المفاجأة الكبري أن الاستاذ عصام لا يشرب القهوة ولكنه فقط يعرف أين تصنع أفضل قهوة طازجة .. والمعرفة في حد ذاتها ضالة المخرج .. ولعل كرستوفر كولمبس محظوظ أن المخرج القدير عصام السيد لم يعش في زمنه وإلا سبقه لاكتشاف قارة أمريكا مشيا علي الأقدام .. ومثلما هو يعشق السير والترحال والإنتقال بين الأماكن والوجوه يعشق كذلك الانتقال بين أشكال الإبداع المسرحي ويقدم عروضاً شديدة التنوع والتباين والإختلاف .. فيها عروض استعراضية غنائية ضخمة التكاليف وعروض أخري بسيطة تنتمي للمسرح الفقير ولكنك ستجد المتعة وعناصر الفرجة المسرحية متوفرة بنفس القدر .. وعصام السيد هو صاحب تجربة تجسيد العبور العظيم علي شاطئ القناة في عام 2009 في عرض شارك فيه الآلاف من جنود القوات المسلحة إلي جانب الممثلين للتعبير عن لحظة تاريخية فارقة .. كما أنه هو مخرج الحادثة التي تعد ديودراما بالغة النضج والصعوبة حيث تدور أحداث المسرحية كلها بين شخصين .. الفتاة المخطوفة التي أدت دورها الموهوبة عبلة كامل والفتي المعقد نفسيا الذي قام باختطافها حتي تمنحه الفرصة للتعبير عن حبه لها وهو الدور الذي قدم امكانيات وقدرات هائلة للنجم أشرف عبد الباقي في الإنتقال ما بين الأداء الكوميدي والتراجيدي دون أن يفقد للحظة واحدة مفاتيح شخصية الفتي الذكي المعقد نفسيا .. ورغم نجاح تلك النوعية من العروض لم يرد المخرج تكرارها أو ربما كان هذا النجاح نفسه هو الدافع لعدم التكرار .. وشد الرحال إلي تجربة فنية جديدة تحل له الدهشة والتحدي.. والدليل علي ذلك هو ما قاله الأستاذ عصام نفسه في حديث تلفزيوني حيث اعترض هو وصديقه المقرب الكاتب الكبير الراحل لينين الرملي علي إعادة عرض البكوات للمرة الثالثة في عام 2006 بناءً علي نجاحها الساحق عندما عرضت أول مرة في عام 1989 ثم تم إعادتها أكثر من مرة بناء علي رغبة الجماهير .. كان اعتراض المبدعين يتمثل في رغبتهما للهروب من تكرار النجاح والبحث الدائم عن عمل جديد يختلف كل الإختلاف عما سبق .. وبالفعل اتجها إلي تجربة في بيتنا شبح ليقدم عصام السيد لأول مرة الرعب ممزوجا بالكوميديا الاجتماعية ولا يخلو الأمر من التلميح السياسي إلي محاولة سرقة الوطن وبيعه أو التخلي عنه في ظل سيطرة جماعة الأخوان وتصدرها للمشهد السياسي.. وعصام السيد مخرج مسرحية باحلم يا مصر تلك التجربة العجيبة التي تروي بالغناء قصة كفاح رفاعة الطهطاوي ومحاولاته لتطوير التعليم في مصر واللحاق بركب الحضارة وما صادفه من صعاب مع الحكام ومع حزب كراهية التجديد هو نفسه عصام السيد الذي قدم عروض القطاع الخاص التى تهدف فقط الي الضحك والتسلية مثل روحية اتخطفت وتكسب يا خيشة ولأبلاش كده ولكنها للحق مسرحيات تخلو تماما من الإبتذال وتقدم سهرات ممتعة بهدف إمتاع المشاهد وتسليته وهذا في حد ذاته هدف راقي ونبيل .. فمسرحية روحية اتخطفت علي سبيل المثال التي لعب بطولتها عملاق الكوميديا الأستاذ فؤاد المهندس مع شويكار وأحمد راتب وبوسي تعالج مشكلة اجتماعية تبدو بسيطة ولكنها خطيرة وتكاد تكون ظاهرة في كثير من البيوت وهى الفتور بين الزوجين وكثرة المشاكل والنكد والتي تجعل بعض الأزواج يتمنون الحصول علي أجازة أو استراحة محارب ولو عن طريق صدفة سعيدة بخطف عصابة لزوجته .. وما ألطف أن تكون هذه العصابة مكونة من الجميلة بوسي ونجم الكوميديا المبدع أحمد راتب .. بينما شويكار هي الزوجة العاصية على التوبة وتمني الخلاص من طلباتها المزعجة .. ولعصام السيد تجربة غريبة بعنوان كنت فين يا علي جمع لبطولتها نور الشريف مع محمد عوض مع بوسي وحملت توقيع الكاتب يوسف عوف ,اشعار الصديق المبدع بهاء جاهين .. كما قام مخرجنا الكبير بتحويل اشعار صلاح جاهين إلي عرض درامي ذو طبيعة خاصة .. وقدم تجربة المسرحيات الفصلية منها شغل عفاريت ، و اقفش متحرش كما أشرف علي تجربة النجم أحمد أمين في مسرحياته التليفزيونية وأشرف علي عروض الإخراج لتلاميذه في مركز الإبداع الفني حيث يقوم بتدريس مادة الإخرج لهم .. ومنذ بدأ أولي تجاربه الإبداعية ولعل من أهمها درب عسكر في المسرح المتجول وحتي آخر تجاربه اضحك لما تموت علي المسرح القومي والتى صادفها سوء الحظ بتراجع الحالة الصحية لأحد نجميها الفنان الراحل محمود الجندي . طوال هذه الرحلة ومسرحه يتسم دائما بالتكثيف والإيقاع السريع والمتعة الخالصة في الفرجة المسرحية مع الحرص علي قيم وأخلاق المجتمع .. كما يحرص في أغلب أعماله علي رفض الأفكار السائدة أو الحقائق المعلبة و الإنحياز إلي حركة المجتمع في التغيير والتجديد ولعل أغرب رحلاته الإبداعية والإستكشافية هي عمله مخرجا إذاعيا لدوبلاج أفلام والت ديزني مثل الأسد الملك والتي تألق فيها الأستاذ عبد الرحمن أبو زهرة في شخصية سكار والنجم المبدع محمد هنيدي في شخصية تيمون وكذلك حكاية لعبة ( توى ستوري) وأعمال أخري جميلة .. وربما إذا تتبعنا بأسلوب علمي دقيق في علم الأنساب جذور نجمنا المخرج القدير عصام السيد لوجدنا أحد أجداده من المهاجرين الفاتحين للأندلس وقد صاهر هناك عائلة كريستوفر كولمبس