وطن مسكون بالأشباح ببساطة مدھشة قلب لینین الرملي المائدة في وجھ المصریین ، ثمصرخ فیھم قوموا لإطفاء الحریق الناشب في الوطن
المدهش أن لینین فعل ذلك قبل سنوات طویلة ـ قبل ست سنوات من ثورة 25 ینایر، وتحدیدافي عام 2005 ـ والأكثر دهشة أن صرخته لم تحاول فقط استنهاض همم المصریین لیفیقوامن وهم الأشباح المسیطرة علیهم، وینتهبوا لعصرهم ولواقع حیاتهم، وانما فسر لهم برؤیةمستقبلیة ـ ودون أن یقصد ـ ما سوف یحدث خلال عام من ثورتهم، وكیف سینقسمونویتشرذمون ویضیع منهم الدرب الصحیح، ثم یصرخ فیهم مرة أخري: ما ازل الوطن یحترق..
وأنتم لاهون!
وقد لا یفهم البعض: كیف یمكن لنص مسرحي أن یكتبه مؤلفه في الماضي یفسر لهم أحداثاعامة لم تكن قد وقعت بعد؟!
هذا هو الفن المدهش والممتع معا..
هذا سر خلود أعمال سوفكلیس وشكسبیر ودورینمات وتوفیق الحكیم وغیرهم من مئاتالعباقرة الذین أضاءوا حیاة البشر بشموع تبدد لهم ظلمة العقول قبل ظلمة الطرق والدروبوالمسا ارت، فالإنسان هو الإنسان.. وبعیدا عن رتابة تفاصیل الحیاة الیومیة، له قیم وحاجاتونوازع وأهداف هي التي ترسم خریطته الكلیة في الحیاة منذ آدم الأول إلي آدم الأخیر، أماالتفاصیل الضیقة فتبقي محشورة أو مقصورة علي زمن وظروف وبیئة قد تتغیر أو هيتتغیر بالضرورة.
إذن كیف فسر لنا لینین الرملي ما یحدث الآن.. قبل ست سنوات من وقوعه؟!
لو بدأنا بعنوان النص في بیتنا شبح، فقد نتصور أننا بإ ازء نص فانتازیا ینسج من الحوادیتأحداثا یمرر فیها ما یود أن یقوله، لكن لینین علي العكس تماما یقدم لنا نصا شدید الواقعیة،شخوصه من لحم ودم ـ هم نحن جمیعا ـ حالمون طامعون محبطون حائرون، لا یتقدمونخطوة واحدة إلي الأمام، فقط یلفون حول أنفسهم بكسل فائق الدعة، متوهمین أنهم عليوشك الاقت ارب من الثروة الشبح، بینما مصالحهم الفردیة الضیقة تحركهم وتشدهم أكثر مماتحركهم مصالح المجموع الواسعة والمصالح الضیقة بطبعها محدودة الأفق، محكومةبالمطامع لا بالعمل، بالص ارع لا بالتعاون، بالمغالبة لا بالتوافق، بالأخذ لا بالعطاء،بالخلافات لا بالاختلافات!
قطعا.. هذا وطن مسكون بالأشباح.. أشباح یعلق سكان الوطن علي أطیافها كل أسبابالفشل، فالأشباح هي اللهو الخفي أو الطرف الثالث في كل حدث تسال فیه الدماء وتنتهكالحقوق وتسلب الثروات.. ولا نستطیع محاسبتها أو محاسبة أنفسنا.
وسكان الوطن هم مجرد زوار سواء طالت بهم الإقامة أو قصرت، طالما لم تجمعهم آمالعامة تتفوق علي ذواتهم ونوازعهم الفردیة!
إذن.. ما هو مصیر وطن تعربد فیه الأشباح؟!
قطعا.. هو وطن تهب علیه ریاح الخطر من كل جانب، ومن الداخل أشد قسوة من الخارج،وطن تشتعل فیه الح ارئق الكبري عمدا أو عفوا أو إهمالا، مثل غرق العبارة السلام أو تفجیركنیسة القدیسین أو تدمیر كنیسة أصفیح أو قطع السكك الحدیدیة والطرق العامة أو مذبحةاستاذ بورسعید.. الخ، بینما یظل الجمیع إلا قلیلا مشغولین بمصالحهم أو مغانمهم دونإطفاء النی ارن.. فتتسع دائرة الح ارئق ولا تتوقف!.
وفي بیتنا شبح یستحضر لینین الرملي هذا الشبح في البیت الكبیر، لیسألنا جمیعا: هل الشبحله وجود أم الشبح معشش في عقول مریضة متعبة ومنهكة وغیر قادرة علي استش ارفالمستقبل؟!.
وقطعا.. یثبت لنا لینین أن الشبح كائن خ ارفي صنعناه بعقولنا المعطوبة، وأفسحنا له مساحةكبیرة في رؤوسنا، لكن أغلبنا لایصدق ذلك ویقاتل في سبیل الوهم، حتي لاینهدم الجدارالذي نحمي فیه فشلنا في التعاون والعمل والتسامح والتوافق والعطاء.. فكیف لنا أن نتجاوزأزماتنا والأشباح تطاردنا ولاتسمح لنا؟!.. شبح الآخرین الأجانب الطامعین فینا.. شبحالمتآمرین منا علینا.. حتي الشبح الصدیق الذي یتدلل ولایرشدنا إلي الكنز الذي ینقذنا،وشبح الصور العاریة والملابس القصیرة فحیاتنا أشباح في أشباح!.
وحتي عندما تمردنا وأزلنا رئیسا كان ارقدا علي قلوبنا مثل جبل من الج ارنیت مع رجالهوحاشیته في 18 یوما فقط، فاننا لم نتمرد علي أشباحنا ولم نزحها من حیاتنا.. لماذا؟!،لأنها جزء من تكویننا وتركیبة عقولنا، وقطعا لن تنجح ثورتنا ولن نتمكن من تغییر النظامالقدیم ولن نستبدل به نظاما جدیدا عصریا متقدما إلا بالتخلص أولا من الأشباح الساكنة فيبیوتنا وتحت جلودنا وفي عقولنا وأفكارنا.. وهذه الأشباح هي تشعل الح ارئق في الوطنوتمزقه.
باختصار هذه صرخة لینین وتفسیره لما یجري، ولم یكن ممكنا أن ینجح لینین في رسالتهإلینا من علي خشبة المسرح إلا بمشاركة مخرج في قامة وفهم وابداع عصام السید، وقداستطاع عصام أن یحافظ علي إیقاع سریع شدید الرشاقة والخفة طول العرض، مع أن كلفصل لایقل عن ساعة وربع الساعة وهي بلغة المسرح زمن بالغ الطول، لكننا لم نشعر به،لأنه سیطر علیه بوعي وحرفیة واتاح حركة كبیرة منظمة متناسقة دقیقة.. دون رقص أوغناء أو أفیهات أو مبالغات، وهي التوابل المعتادة في الفصول المسرحیة الطویلة.. لكن غنيالنص وكثافة الحوار ودلالاته مع مع مواهب ممثلین محترفین حقا.. لم یخرجوا عن النص،في نص یوحي بمساحة كبیرة للارتجال.. شغلت الزمن تماما بالثانیة وعشر الثانیة!.
وحین لجأ عصام إلي الغناء كان محدودا وضروریا، وكاشفا لحالة وجدانیة لاتكفي العبا ارتلتفسیرها.. وقد أسدلت الستار ومنصور أو ماجد الكدواني یصرخ فینا: الحقونا.. البیتیحترق!
فهل تنقذونه؟!.
هیا بنا ننقذه.. ولن ننقذه إلا بقتل الأشباح والتحرر منها!.