عندما يذكر اسم الاستاذ عصام السيد في سياقنا المسرحي، يقفز إلى ذهن السامعين الذين يعرفونه جيدًا بعض الألقاب أو الأصاف منها الأستاذ أو المايسترو أو الجنرال، وكل هذه الألقاب تعطي دلالة عامة قوامها التميز والاتقان. فهو استاذ لأنه متفرد فنيًا نابعة من جسارته في اختياره لمسرحياته ومما أعطى لتجربته طابع خاص يختلف عن تجارب الآخرين، والمايسترو عندما يخرج مسرحياته التي تقوم على الدقة متناهية في اختيار عناصر عمله بداية من النص المسرحي ونهاية بعناصر العرض المسرحي تذكرنا بهارمونية السيمفونيات الموسيقية، ويتحول كل عنصر من عناصر عرضة المسرحي إلى آلة موسيقية لها دور محدد داخل المنظومة الفنية ليصل معناه إلى الجمهور بدون تشويش دلالي، وأيًضا يتقمص شخصية الجنرال في قيادة بروفاته المسرحية في دقة وانضباطية شديدة، فكل عنصر من عناصر العمل يعرف دوره وظيفته، ولكن هذا الجنرال لا يصدر أوامر واجبة التنفيذ بل يدرك أن لكل مرحلة من مراحل العرض لها سمات محددة لا تطغى على مرحلة أخرى، كل هذه الألقاب ترسخ لمفهوم التحضير لعمله جيدًا قبل الدخول في معترك الحياة.
أهلت هذه السمات المختلفة الأستاذ عصام السيد أن يكون أحد البنائين العظام في سياقنا المسرحي، فكان له أكثر من صورة منها صورة الفني وهي الصورة الأساسية بجانب صورة القيادي الذي تولى رئاسة العديد من المؤسسات الفنية في فترات متفاوتة مثل المسرح الكوميدي أو إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية أو قطاع الفنون الشعبية، وشهدت رئاسته لكل مؤسسة تولى قيادتها إزدهارًا فنيًا وتحولت إلى مركز اشعاع ثقافي في المجتمع كله تجتذب جمهور المسرحيين ومحفزة لجمهور غير المسرحيين في ارتياد المسارح. كما تقنع بصورة الخبير المؤهل للأجيال الجديدة من المخرجين يعطي لهم خبراتهم ويؤهلهم لصناعة عرض مسرحي جيد.
تكشف الصور المختلفة التي انتهجها عصام السيد في سياقنا المسرحي بوضوح عن أن فهمه لطبيعة الفن لا يخضع لمنظور فني وجمالي فقط، بل هناك دور معرفي ينبع من سؤال دائما تطرحه جميع ادواره المختلفة وهو كيف نستطيع تجذير الفن في المجتمع ليساهم في تشكيل الرأي العام. ولم تقتصر ادواره سواء كان المخرج عصام السيد عندما يخرج مسرحية تقديم عمل على خشبة المسرح فقط بأدواته الفنية، أو عندما يتولي قيادة أحد مؤسسات المسرح في تسيير نظامها ودولاب عملها فقط، أو عندما يأخذ الخبير عصام السيد المؤهل لأجيال قادمة، من طابع تقني فقط، بل كانت شخصية المثقف تحكم جميع أدواره الذي يحاول أن تكون لفعالياته المختلفة دور في تشكيل وجدان المجتمع من أجل هدف سامي وهو تنوير الجماهير والرفع من ذوقهم لرؤية العالم بشكل أفضل.
ولعل هذا الفهم لطبيعة دوره من منظور ثقافي اعطى له تفرده الفني وجعله يدقق في اختياراته المسرحية المختلفة وموضوعاته وتنظيم فعاليات مسرحية ذات طابع ثقافي تساهم في دفع وتنشيط مؤسسة المسرح، وتأهيل الجيل الجديد من أجل الدفع بحساسيات فنية جديدة للمساهمة في تغيير ذائقة الجمهور.
لقد تحكمت طبيعة المثقف في جميع فعالياته الفنية أو الحياتية للمخرج عصام السيد، مما جعله يشارك في أي فعالية حياتية ضد ما يكبل نظرة الجماهير إلى الحياة الرحبة والحقيقية، ولذلك خاض حامية الوطيس مع التيارات الأصولية وهاجم بشدة أفكار تيار الإسلام السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مختلف عروضة، كما وقف ضده بداية من الجامعة ومرورًا بفترة التسعينيات وكان من ضمن المسرحيين الذين هاجموا بشدة طغيان هذا التيار وانتشاره في المجتمع ونهاية بفترة توليهم الحكم عقب ثورة يناير 2011 وكان له دور تاريخي في اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة لمقاومة السلطة الأخوانية وكان ذلك إيذانًا باندلاع ثورة 30 يونيو 2013.
كل هذه العوامل التي سبق ذكرها أعطت لعصام السيد مكانة خاصة في سياقنا المسرحي وعلامة فارقة في تاريخ الإخراج المسرحي المصري وجعلته في مصاف المخرجين العظام لأنه ممارساته تتأست على التزواج بين التفرد الفني والمسئولية الأجتماعية. وانسحب هذا التزواج على عروضه المسرحية فنجده تجمع بين روح الكوميديا الشعبية مع مدارس الإخراج العالمية المختلفة.
ا- عصام السيد : الفنان
الشخصية الفنية:
ظهر المخرج عصام السيد في فترة السبعينيات من القرن الماضي في ظل سياق ثقافي متغير ذو طبيعة دراماتيكية يتراجع عن المكتسبات الاجتماعية والثقافية لثورة يوليو 1952والتي تجلت في فترتي الخمسينيات والستينيات، بالإضافة إلى محاربة الاتجاهات الثقافية اليسارية نتيجة هيمنة التيارات الدينية المتشددة وتعاظم دورها الذي أدى إلى تغلغلها في جميع مفاصل المجتمع من الشارع إلى الجامعة، وساهمت في انتشار هذه الردة الثقافية تراجع دور الدولة في تلك الفترة عن دعمها للمسرح والثقافة. في ظل هذا الوضع المجتمعي المأزوم بدأ عصام السيد ممارسته لفن المسرح وتكونت شخصيته الفنية بطابع هذه المرحلة ليضع المجتمع في نصب أعينه.
ويعد الرافد الأول لتكون شخصية عصام السيد المخرج في عالم المسرح، كانت من خلال مسرح جامعة عين شمس الذي كان محتفظًا بدوره كمدرسة ثقافية كبيرة في فترة السبعينيات، وكان يزاخر بالعديد من المواهب الفنية التي أصبحت تتصدر المشهد الفني فيما بعد، وكان منهم يحي الفخراني في الطب وأحمد راتب في هندسة وفاوق الفيشاوي في اداب ومحمود حميدة في تجارة أحمد عبد العزيز وسامي مغاوري ومحسن حلمي. وكانت هذه المرحلة شديدة الأهمية في تكوين شخصية عصام السيد الفنية. وساهمت جامعة عين شمس في هذه الفترة بدور تنويري، وقامت بقوافل فنية لعرض مسرحياتها في القرى والنجوع في الأجازات الصيفية. مما ساهم ذلك في رسم توجه فني لعصام السيد اتخذ خط له طيلة حياته حتى الأن، فنلاحظ أن هناك سؤال خفي يطرح في عروضه وكافة ممارساته وهو ما المسرح؟. وكانت الإجابة أن المسرح للجمهور لذلك كان يرصد بدقة طبيعة جمهوره ويأخذه في حسبانه وأن المسرح ليس جمهور واحد متجانس بل جماهير متعددة، مما خلق له احساس بالدور الاجتماعي للمسرح. لذلك ساهم مسرح الجامعة في تنمية وعيه الثقافي فانخرط في التيارات الأيديولوجية في تلك الفترة والتي كانت تموج بها مصر من تيارات اشتراكية وناصرية وشيوعية وغيرها من تلك التيارات وصراعها مع التيارات الاسلامية.
ولعل التركيبة الثقافية للمجتمع بالإضافة إلى السياق التنويري الذي تميز به مسرح جامعة عين شمس في تلك الفترة، حكمت اختياراته المسرحية فكان من أوئل أعماله الإخراجية مسرحية تعتمد على الكباريه السياسي وكان اسمها “سبرتو على الجرح” للكاتب الراحل محمود الطوخي، ولم يكتف عصام السيد بالإخراج فقط في مسرح الجامعة، بل اشتغل كممثل مع العديد من المخرجين منهم الاستاذ فهمي الخولي، وحاز على أفضل ممثل في جامعة عين شمس في أحدى مسابقاتها ولكن اجتذابه الإخراج.
أما الرافد الثاني في تشكيل شخصيته الفنية هو معرفته بالمخرج حسن عبد السلام الذي كان له دور كبير في مسيرة عصام السيد الفنية أنه عمل معه مساعدًا في الكثير من عروضه، واستفاد منه على المستوى الإنساني والفني، حيث فتح المخرج الراحل حسن عبد السلام له الطريق وساعده ودعمه أيضًا في خطواته الأولى في الأحتراف الفني من جهة، وأصقله فنيًا واستفاد من خبراته في معرفة أسرار تركيبة العروض المسرحية من جهة أخرى. وكان دور الأستاذ الذي لعبة الراحل حسن عبد السلام في التكوين الفني لعصام السيد بمثابة الدين يحاول المخرج عصام السيد تسديده للأجيال الجديدة واعطى لهم من خبراته ما يعينهم في إخراج عروض مسرحية مبتكرة عن طريق الورش أو النصح من خلال متابعة عروضه المختلفة وأصبح مدرسة كبيرة لتأهيل المخرجين يدين البعض لهم باستاذيته لهم مثل المخرجين اسلام إمام وهاني عفيفي على سبيل المثال وليس الحصر.
وكان للاستاذ حسن عبد السلام موقف فريد لم يتكرر في المسرح المصري وهو كتابة اسم اثنين من المخرجين على الملصق الدعائي (الأفيش) لعرض مسرحي وهو مخرج واخراج تقديرًا للدور المتفاني الذي قام به الاستاذ عصام السيد في مساعدته في اخراجه للمسرحيات. هذا الدور الذي يذكره عصام السيد لأستاذه وعدم نكران فضله عليه جعله يفتح جرح غائر تغافلت عنه الحركة النقدية والمؤسسة الأكاديمية وهي تقاعسهما الشديد في توثيق تجارب المخرجين وتوجيه سهام النقد إلى الأكاديميين بأنهم يتجاهلون كتابة دراسات أكاديمية جادة تتناول إبداعات المخرجين.
كانت بداية دخول عصام السيد إلى عالم الإخراج المسرحي من مسرح القطاع الخاص وهو سار عكس القاعدة المعروفة في سياقنا المسرحي أن تكون البداية من القطاع العام إلى القطاع الخاص. لأن في اواخر السبعينات كان الإخراج في مسرح الدولة شديد الصعوبة نظرًا لتقلص الميزانيات وعدد الفرق أيضًا وباءت كل محاولاته في الفشل والتي بدأها من عام 1978 حتى اخرج أول عمل له 1984.
وجاء أخراجه في مسرح الدولة عن طريق الصدفة ففي اثناء استعداده للهجرة إلى انجلترا بعد ما ضاقت به السبل إلى الإخراج في مصر، جاءت له فرصة إخراج في القطاع العام، وكانت مسرحية “درب عسكر” للكاتب الراحل الدكتور محسن مصيلحي بالمسرح المتجول الذي يتناول تاريخ الارتجال من القرن التاسع عشر إلى عام 1956، وهناك مشهد يشتيك فيه الممثلين مع الواقع المعاش حسب طبيعة الأحداث الاجتماعية، ونجح العرض نجاحًا باهرًا ووصفت الدكتوره نهاد صليحه هذا العرض بأنه علامة فارقة في تاريخ المسرح المصري، وقد فتح هذا العرض الطريق للاستاذ عصام السيد في السير نحو الكوميديا الشعبية وليس مظاهرها فقط ولكن استلهام روحها أيضًا في بعض عروضها فرأى أن المسرح بمثابة ساحة شعبية أو برلمانًا شعبيًا يتناول قضايا المجتمع بأساليبه الفنية.
وتعد مسرحية “اهلاً يا بكوات” هي العلامة المهمة في تاريخ الاستاذ عصام السيد والتي كانت تجربة غير مسبوقة في مسرح القطاع العام بمصر، حيث عرضت لمدة ثلاثة سنوات متصلة من عام 1989، 1990، 1991 ثم عرضت مرة أخرى في عام 1993، وعرضت لمرة ثالثة في عام 2006.
السمات الفنية للمخرج عصام السيد: كيف تصنع عرضًا مسرحيًا جيدًا
امتازت التجربة الإخراجية للمخرج عصام السيد بالتدقيق الشديد في اختيار عناصر العرض المسرحي بداية من النص ومرورًا باختيار الممثلين المناسبين لكل دور ونهاية بالدقة الشديدة لكافة عناصر العرض المسرحي من ديكور وإضاءة وموسيقي، لكي تصل المسرحية بالشكل الملائم للجمهور ويمكن أن نجمل هذه العناصر في بعض النقاط
أولاً: اختيار النص المسرحي
امتاز المخرج عصام السيد بقدرته الفائقة في اختيار النصوص المسرحية التي تمس الشأن العام، وتدور معظم مسرحياته حول موضوعات تتناول السلبيات الموجودة في المجتمع فتجعل الجمهور يضحك عليها ويضع مسافة منها ليتجاوزها في حياته. فلم يكن الضحك فقط هو هدفه الأساسي بل هناك جانب فكري واضح يوجد في جميع عروضه لتصبح وظيفة المسرح لدية التعليم الممتع. حتى عندما أخرج للقطاع الخاص لمسرحيات مثل “حلو الكلام” للفنان سعيد صالح أو “تكسب ياخيشة” لم ينجر إلى موجة الأسفاف التي تميز بها القطاع الخاص في فترة السبعينيات والثمانينيات بل كانت ذات طبيعة خاصة تدور حول سلبيات المجتمع.
هذا الطابع التي تميزت بها مسرحيات عصام السيد جعلته يعرف دوره جيدًا فلكل مبدع اختصاصه، فالمؤلف له دور والمخرج دوره هو صناعة عرض متكامل ولا يغتصب إبداع أحد عناصره الفنية. ولذلك، لم يعيد تكرار المعركة الشهيرة التي دارت في ستينيات القرن الماضي بين يوسف أدريس وكرم مطاوع في مسرحية “الفرافير” وأن المخرج هو مؤلف العرض المسرحي.
ولذلك رسخ عصام السيد في عروضه أن كل مبدع مسؤول عن إبداعه بشرط أن يخدم الأثر الكلي للعرض المسرحي، هذا ماجعله يبحث دائمًا عن التوافق الفكري بينه وبين مبدعي عناصر العمل المسرحي وخاصة على مستوى النص المسرحي. لذلك نجد أن اشتغل عصام السيد مع أثنين من المؤلفين بصورة مستمرة، وهما الراحل محسن مصيلحي في مسرحيتين هما “درب عسكر” و”اللي بنى مصر”، والكاتب الراحل لينين الرملي حيث أخرج له تسعة مسرحيات بداية من “اهلا يا بكوات” ونهاية بمسرحية “اضحك لما تموت”، ولعل هذا العدد الكبير من المسرحيات مع الراحل لينين الرملي يمكن أن نرجعة إلى أن مسرحيات لينين الرملي تمتاز بالبناء الدرامي المحكم الذي يجعل من الصعب حذف أو إضافة أي جملة إلا بحساب لأنه يترتب عليها علاقات درامية، كما أن مسرحيات لينين الرملي على الورق يظنها القارئ أو المخرج أنها تراجيدية لكنها مليئة بالكوميديا وتحتاج إلى نوعية مخرجين معينين قادرين على على خلق الكوميديا من طبيعتها الجادة.
ولذلك قليلاً ما فشلت رهانات عصام السيد في اختياره للنصوص المسرحية، ويفسر دائمًا أن عدد كبير من مسرحياته ألفها الراحلين محسن مصيلحي ولينين الرملي اللذان تلائما مع مزاجه الفكري للمخرج عصام السيد وانضباطيته الشديدة في إدارة عمله المسرحي، فكان يعقد معهما جلسات كثيرة للمناقشة حول طبيعة النص المسرحي حتى يصلوا معًا إلى الصيغة النهائية للنص المسرحي التي قد تمتد إلى سنين كما حدث في مسرحية “أهلا يا بكوات”. وجدير بالذكر وعى عصام السيد بذكاء أن أول الخطوات لنجاحه ونجاح العرض المسرحي الأختيار الجيد للنص المسرحي لذلك من اوائل المخرجين الذين قدموا سعدالله ونوس إلى المسرح المصري من خلال إخرجه لمسرحية “الفيل يا ملك الزمان” كما قدم رائعة ونوس الشهيرة “منمنمات تاريخية” في المسرح القومي.
ثانيًا: اختيار الممثلين وكسر افق التوقعات الجمهور للنجوم
امتاز الاستاذ عصام السيد بقدرته الفائقة على احتذاب نجوم السينما إلى المسرح مثل الفنان حسين فهمي ويرجع ذلك إلى اختيار الورق الجيد وعقد جلسات مناقشة مع النجوم لتوضيح طبيعة الدور وأن هذا الدور بمثابة تغيير في حياته المهنية. لذلك كان أول خطوة في التعامل مع النجوم عند الاستاذ عصام السيد هو تقديمهم عبر صورة فنية جديدة عليهم، وكان هذا الطريق شاقًا لأن عليه أن يبدأ مع النجم من مرحلة هدم أولاً والمقصود به هدم الصورة الذهنية للنجم لدى المتفرج عن أدوار النجم، كان يبذل محاولات مضنية ليخرج النجم من مرحلة الكليشيه إلى عالم التمثيل الأكثر رحابة ولا يجعله يفكر في نفسه بل يفكر في المسرحية ككل، وهذا ما فعله الأستاذ عصام السيد مع الفنان حسين فهمي في مسرحية “أهلا يا بكوات” الذي استطاع تخليق صورة جديدة له من خلال هذه المسرحية وكانت بمثابة نقطة تحول في إدواره التمثيلية، لذلك قدم المخرج عصام السيد النجوم بصورة جديدة حينما ساهم في كسر افق توقعات الجمهور نحو شخصيتهم الفنية ومساعدته في تقديمه في أفضل شكل، لعل هذا من أسباب نجاح الأستاذ عصام السيد مع النجوم.
وتكرر نفس الأمر مع الأستاذ فؤاد المهندس حينما أخرج له مسرحية “روحية اتخطفت”، التي بدأت بمشاحنات واختلاف وجهات نظر مع الفنان الكبير حتى اقتنع الفنان فؤاد المهندس في نهاية الأمر، حين استطاع الأستاذ فؤاد المهندس أن الغرض هو تقديم صورة جديدة له من خلال المسرحية. كما له واقعة شهيرة مع الفنانة الشهيرة أمينة رزق في مسرحية “الأرنب الأسود” التي دارت أحداثها في قاعة بمسرح السلام والتي خشيت من طبيعة التمثيل في القاعة بالقرب من الجمهور لأنها اعتادت التمثيل بمعزل عنه وهي واقفة على خسبة المسرح واستطاع أقناعها وأدت دور مختلف عن بقية أدوارها التمثيلية.
لقد أرسى عصام السيد مبدأ المناقشة مع كافة عناصر العمل الفني، لذلك امتازت عناصر عروضه في الوسط المسرحي بأن طبيعة كواليسها هادئة ومريحة مما جعل النجوم يوافقون في التعامل معه لأن عصام السيد سوف يقدمهم بصورة جديدة واقتناعهم جميعًا بخروج العمل المسرحي المناسبة لتصل إلى الجمهور وتؤثر فيه. لذلك لم ينجر إلى ظاهرة الممثل/ النجم بل كانت عروضه ترسي مبدأ أن النجم هو العمل المسرحي ذاته والكل في خدمته لكي تستطيع المسرحية التأثير في المجتمع.
ثالثاً:الأختيار الواعي لمبدعي الصورة البصرية
امتازت عروض عصام السيد في اختيار المكان الملائم لطبيعة النص المسرحي، فمسرحية “الأرنب الأسود” أحداثها تناسب قاعة مسرحية حتى تضفي جو من الحميمية التي تتناسب مع طبيعة المسرحية، أما مسرحية “اهلا يا بكوات” تحتاج إلى خشبة المسرح. لذلك لم يتنازل عن طبيعة المكان الملائم لأحداث المسرحية ليكون العنصر الثالث من اختياره لصناعة عرض مسرحي جيد. هذه الطبيعة المرنة في تعامله مع خشبة المسرح جعلته يدرك التمايز بين إخراج العروض المسرحية وطبيعة الاحتفالات الكبرى سواء على مستوى التصميم الحركي أو صناعة صورة بصرية على مستوى كافة عناصرها من ديكور واضاءة ويختار ما هو مناسب لخدمة عرضه. لذلك نجد أن له فريق عمل شبه ثابت قليلاً ما يتغير، ويتكون من اسماء مرموقة في مجالهم مثل حازم شبل على مستوى الديكور الذي اشترك معه في تصميم ديكورات العديد من المسرحيات ولا مانع من الاستعانة بالجيل الجديد من مصممي الديكور مثل محمود الغريب في مسرحيته الأخيرة “اضحك لما تموت”. كما استعان بمصممي الملابس مثل نعيمة العجمي ومروة عودة. كل ذلك بهدف المساهمة في صنع صورة بصرية جيدة تخدم العمل الفني من جهة، ومريحة لعين الجمهور من جهة أخرى.
وبوصفه مخرج ويقع على عاتقه المساهمة في صناعة الصورة البصرية ومسؤول عن نجاح كافة عناصر العرض المسرحي، كان يجهز جيدًا للعرض المسرحي وأحيانًا كان يتحول إلى طالب يذاكر جيدًا النص المسرحي قبل بدء البروفات من جهة، ومن جهة أخرى يدرك جيدًا أسرار صناعة العناصر الفنية من ديكور واضاءة وملابس ويناقش مبدعيه في تفاصيل ابداعاتهم حتى تخرج بالصورة المطلوبة.
2- عصام السيد : القيادي
لعل الانضباطية الشديدة التي تتصف بها شخصية عصام السيد وتجلت من خلال عروضه المختلفة بالإضافة إلى وعيه الاجتماعي بوصفه ينتمي إلى فئة المثقفين لدينا، اتاحت له تولي قيادة العديد من المؤسسات المسرحية مثل المسرح الكوميدي وإدراة المسرح في الثقافة الجماهيرية وإدارة قطاع الفنون الشعبية والمسؤول التنفيذي عن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي من الدورة (23: 26)، وإذا استعرضنا أهم المحطات التي كان فيها مسؤولاً عن مواقع مسرحية ومنها:
ا- المسرح الكوميدي (1995 – 2002)
الذي تحول في عهده إلى مركز ثقافي تنويري لم يكتف بإنتاج العروض المسرحية فقط، بل أقيمت فيه ندوات تمس الشأن العام ومنها ندوة شهيرة حول “النكتة السياسية” والتي استضاف فيها كبار الكتاب مثل عادل حمودة وحضرها العديد من النجوم مثل الفنان عادل إمام. بالإضافة إلى نشر النصوص والكتب المسرحية التي تمس صناعة المسرح في مصر ولعل أبرز الكتب المنشورة كان كتاب “أزمة المسرح المصري” بجزئيه. كما قام عصام السيد بحراك مسرحي بجانب الحراك المعرفي، فساهم في إنتاج عروض مسرحية الناجحة التي أحدثت نقلة فنية لبعض المخرجين مثل عرض “مساء الخير يا مصر” للمخرج ناصر عبد المنعم وبطولة المطرب محمد منير وكان عرض يستلهم نموذج الجريدة الحية، بالإضافة إلى عرض”اللهم اجعله خير” للمخرج محسن حلمي الذي استمر عرضه لمدة عامين. ومسرحية “مولود سيدي المرعب” للمخرج محمد أبو داود. وفي تلك الفترة لم ينحاز عصام السيد إلى جيله بل قدم اثناء فترة توليه المسرح الفرصة لكافة الأجيال، فأخرج استاذه “حسن عبد السلام” مسرحية رصاصة في القلب” بطولة علي الحجار وانغام، كما فتح الطريق للمخرجين الشباب في تلك الفترة مثل نهاد كمال وحمادة شوشة. وجدير بالذكر أن عصام السيد لم يخرج عروض مسرحية في المسرح الكوميدي طيلة توليه قيادته، وبذلك يعيد تكرار اخطاء السابقين من المخرجين الذين تولوا القيادة الأدارية في أماكن مختلفة واستبدوا بعملية الإنتاج المسرحي في مواقعهم.
ب- إدارة المسرح في الثقافة الجماهيرية:
تولى عصام السيد قيادة إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية وفي عهده احداث حراك فني وأنشئ خمسة مراكز فنية في أقاليم مصر الغرض منها الحفاظ على التراث وتطويره بالإضافة إلى إقامة الورش التدريبية لفناني الأقاليم على يد متخصصين أكاديميين من أجل فع كفاءاتهم الفنية. كما فازت الثقافة الجماهيرية في عهده لأول مرة بأفضل عرض مسرحي في المهرجان القومي للمسرح وكان العرض القرد كثيف الشعر لجمال ياقوت الذي فاز بأفضل مخرج، كما فاز صبحي السيد بافضل سينوغرافيا.
لقد كان وجود عصام السيد كقيادي في العديد من المؤسسات المسرحية في مصر جعلت له مؤيدين ومعارضين لقرارته، ألا أن الثابت أن افعاله جعلته ينتمي إلى طائفة البنائين العظام في المسرح المصري، فما تولى موقع قيادي إلا إزدادت أزدهارًا على يده وأحدث فيه حراك معرفي وفني. هذا ما جعله يكرم في العديد من المحافظات بمصر، كما حصل على تكريم خاص من القوات المسلحة المصرية.
ولعل الدرس الكبير من تجربة عصام السيد في أنه اعطى خبراته للأجيال الجديدة وصقلهم فنيًا عن طريق إقامته للورش المسرحية في كافة أقاليم مصر بالإضافة إلى توليه مسئولية الورش في مركز الإبداع الفني من جهة، ومن جهة أخرى لم يفعل كما فعل معه سابقيه ومحاولة تهميشة بل سار على نهج استاذه الراحل حسن عبد السلام كان مشجعًا للأجيال الجديدة، وابتكر جائزة باسمه ويدعمها ماليًا في مهرجان شرم الشيخ وتمنح للمخرجين الشباب.
في النهاية، كل ما سبق يجعل عصام السيد أحد العلامات الفارقة في تاريخ المسرح المصري واعطى لصناعة المسرح من وقته وجهده لا يتحدث عن نفسه، بل يعمل في صمت من أجل دفع المسرح المصري وصناعته إلى الأمام، فاخرج حوالي 70 عرضًا في كافة المؤسسات المسرحية من مسرح القطاع العام والقطاع الخاص والثقافة الجماهيرية والاحتفالات القومية لتكشف عن تجربة فنية لها تفردها تجمع بين الدور الفني يتكامل مع دوره القيادي نابع من مسئولية الفنان تجاه مجتمعه.