اضحك لما تموت.. في القومىمحــمد بغــدادىمزج الكاتب المسرحى الكبير لينين الرملى في هذا العرض بين الواقع والحالة السياسية بأسلوب كوميدى مميز.. فاقتحم المنطقة الشائكة التي أثارت الجدل بين أجيال متعاقبة وفئات مختلفة من المصريين.. وهى (ثورة 25 يناير).. فهذا العمل بدأ لينين في كتابته فى 2010.. وانتهي منه فى 2014.. أي أن هذا النص كتب أثناء وقوع أحداثه.. التي أربكت كل المصريين.. ما بين مؤيد ومعاض.. لذلك يقول لينين أنه حذف منه وعدل فيه كثيراً.. فهو ليس عملاً كوميدياً صرفا.. وإن كان لا يخلو من الضحك.. ولكنه ضحك كالبكاء.. فقد أثار في كثير من المشاهدين حالة من الشجن.. وإذا كان لينين الرملى قدم لنا من قبل مع المخرج الكبير عصام السيد أيضا عرض “أهلاً يا بكوات” ثم “وداعاً يا بكوات” فالعرض الأول أحداثه تقع فى الماضى.. والثانى فى المستقبل.. أما “اضحك لما تموت” فهو يتحدث عن الحاضر.وفكرة المسرحية تدور حول الأوضاع أثناء ثورة يناير.. من خلال شخصيتين رئيسيتين (يحيى وطاهر) الأول أستاذ تاريخ جامعى يجسد شخصيته الفنان الكبير والقدير نبيل الحلفاوى.. والذى يمتلك شقة بميدان التحرير.. حيث تدور أحداث الثورة.. وهو في عزلة تامة عنها.. ويرفض حتى أن يطل عليها من نافذته.. والشخصية الثانية “طاهر” ويجسدها الفنان الكبير والقدير محمود الجندى.. وشخصيتا “يحيى” و”طاهر” نموذجان مختلفان.. والمواقف الكوميدية بينهما تعتمد على اختلاف في وجهات النظر.. وإن كانا يتفقان في إحساسهما بالاكتئاب وعبثية الحياة.. فأستاذ التاريخ فقد إيمانه بما كتبه ودَرَّسَّهُ لأجيال من الطلبة صاروا بفضل كتاباته ثوارا في ميدان التحرير.. ولكنه في حالة من اليأس يحرق كتبه.. ويعيش في الماضى مع جثة أبيه الذى اسكنها معه وكأنه لا يريد أن يدفن الماضى.. ويصر أن يعيش فيه.. وينتظر الموت في أي لحظة.. وتعيش معه فتاة من الشارع “شربات” وتجسد دورها الفنانة إيمان إمام.. وتقيم معه علاقة حميمة.. فيعتقد أنها تحبة.. ولكنها تذهب مع أول شاب من شباب الثورة تلتقى به بمجرد أول فرصة تخرج فيها للشارع.. أما “طاهر” صديقه فهو رجل رومانسى حالم.. طردته زوجته من المنزل لأنه رسم لوحة لحبيبته التي عشقها هو وصديقه يحيى فيما مضى.. فياتى لصديقه بعد أن أصبح بلا مأوى لينتحر عنده.. وبعد أن رفضت إبنته التي سافرت إلى أوروبا العودة لمصر.. فتزداد رغبته في الانتحار.. ومن هذه المفارقات يأتي الضحك من مبدأ “شر البلية ما يضحك”.ويحيى وطاهر يلتقيان بعد أن باعدت بينهما الحياة.. وقد أصبحا فى السبعينيات من العمر.. ويفاجأ طاهر بان صديقه يحيى تغير وأصبح لا يكترث بشىء.. ترمّل مبكراً.. ويعيش فى حالة من العبث.. أما طاهر فإنه يفكر فى الانتحار بعدما طلّق زوجته التى كانت تكبره.. وتزوجواحدة تصغره فتقوم بطرده.. لذا يبدو ساخطاً على كل شيء.. الشخصيتان مختلفتان.. لكن يجمعهما نفس السخط على كل شيء.. ويتراهن كلاهما على شخصية “حربية” أيا منهما كانت تحب !! فهى الحب الذى فشلا فيه.. ولكنها عادت بعد زمن متغيرة.. والدور الذى جسدته الفنانة سلوى عثمان.. يؤكد الإسقاط سياسى الذى سعى إليه لينين الرملى.. فهى مصر التي تغيرت بمرور الزمن.. والتي ارتبطت بالإتحاد الاشتراكى في زمن عبد الناصر.. ثم بالحزب الوطنى في زمن السادات ومبارك.. وترفض كلا الصديقين الآن.. ولتأكيد الإسقاط السياسي اطلق عليها لينين الرملى ثلاثة أسماء: (حرية وحورية وحربية).. والمعنى واضح من وراء هذه الأسماء الثلاثة!!ويختتم عصام السيد العرض بخروج شباب الثورة مندفعين من عمق المسرح بعد أن كانوا مجرد خيالات واصوات.. ليقتحموا الحواجز نحو حافة خشبة المسرح.. ليواجهوا الجمهور ليزرعوا الأمل من جديد.. فيتعانق الصديقان يحيى وطاهر في مشهد ختامى مؤثر.بالطبع معالجة هذا النص السياسى السردى إخراجيا.. أمر بالغ الصعوبة.. وهنا تتجلى رؤية وبراعة وعبقرية الفنان عصام السيد.. فأحداث العرض تدور في صالة شقة الدكتور يحيى.. ومن خلال ديكور واحد.. ولكى يتغلب عصام السيد على استاتيكية الحوار لجأ إلى أكثر من حيلة بأجهزة “الفيديو برجوكتور” بعرض أمامى وخلفى مبهر.. ليستدعى بها مشاهد من الماضى.. وتجسيد المكالمات التليفونية بين طاهر وإبنته في أوروبا.. ومشاهد ثورة 25 يناير.. ونجح عصام السيد عبر حيل السينوغرافيا المتعددة المستوايات.. أن يحرك خيال المشاهد.. ويحرك أيضا استاتيكية النص وحواراته السياسية المتواصلة.. ولا شك أنها إضافات ضرورية أجاد توظيفها المبدع عصام السيد.. ونجح في إثراء نص الكاتب الكبير لينين الرملى.. الذى تركت نهايته مفتوحة للجمهور.. ليفسرها كما يراه.. بالطبع التحية والتقدير لكل فريق العرض المسرحى من الفنانين و الفنيين.. بدءً من مدير المسرح القومى الفنان الكبير يوسف إسماعيل.. والقديرين نبيل الحلفاوى ومحمود الجندى.. ومرورا بابطال العرض الفنانين: إيمان إمام وسلوى عثمان وتامر الكاشف وزكريا معروف وحمدى حسن.. وضيوف العرض الفنانين: يوسف إسماعيل.. لبنى ونسي.. لبنى عبد العزيز.. إيمان رجائى.. وأحمد سمير.. وتحية لديكور محمود غريب وملابس نعيمة عجمى وموسيقى هشام جبر.. وتحية واجبة لكتيبة العاملين والفنيين بالمسرح القومى في مقدمتهم: فؤاد السيد وأحمد شاكر وجمال حجاج.