إضحك لما تموت …
إبراهيم عبد المجيد
علي عكس العنوان فنحن لسنا أمام مسرحية كوميدية . نحن أمام تراجيديا مكتملة الأركان فالنهاية حتمية وإن لم ندرك ذلك مقدما رغم أن الضحك لا يتوقف طوال العرض . هنا جيلان . البطولة في الواجهة لإثنين من الجيل القديم . وفي الخلف بإضافات لصور سينمائية تختصر الكلام لجيل الشباب . العجوزان في سن واحد لكنهما مختلفان . المفكر والكاتب ” يحيي سعد ” يائس تماما يخشي عليه الأطباء من الموت وهو يكذب عليهم ليموت . يري أن كل مايحدث لا يتوافق مع ما كتب من مؤلفات ولا مع اسمه “يحي سعد” . الاسم الذي منحه إياه والده لتبقي ذكري سعد زعلول حية. يعيش في شقته وحده ومعه فتاة ضائعة التقطها من الطريق يحنو عليها وترعي حياته ويعيش معهما شبح الموت الذي يطل علينا من داخل الثلاجة أو خارجها . هو نذير الموت القادم . يزوره صديق العمر ” طاهر ” محمود الجندي ليعيش معه بعد أن طردته زوجته التي استولت علي كل ممتلكاته . لايتذكر الحلفاوي صديقه لكنهما يعيشان معا . حين يطلب محمود الجندي منه أن يفتح النافذة يرفض ففي الخارج ثورة لايقتنع بها . محمود الجندي ” طاهر ” مقتنع بالثورة لكن النقاش بينهما لا يقترب من الثورة إلا مرات قليلة . النقاش حول جدوي الحياة . يتذكران ما اشتركا فيه من حب امرأة – سلوي عثمان – يسميها محمود الجندي “حرية” ويسميها الحلفاوي “حورية” وحين تظهر تقول لهما ضاحكة إنها لاحرية ولا حورية بل “حربية” . لقد تركتهما وتزوجت من أحد كبار الحزب الوطني . طبعا ! مفاجأة محمود الجندي كبيرة فهو يحتفظ بصورة رسمها لها أيام الشباب واستطاع أن يفوز بها من بيته القديم ليراها شيئا آخر ليست هي حرية الجميلة التي عشقها زمان . يشمت فيه الحلفاوي وكثيرا ما يشمت كل منهما في الآخر في حوارهما لكنهما مرتبطان حتي إذا ترك محمود الجندي البيت عاد رغم أنه اقنع الشابة ” شربات ” أن تترك صديقه المقبل علي الانتحار وتعيش حياتها . لكنها تعود مرة مع أحد شباب الثورة المصابين ويتحقق للحلفاوي ما يتصوره عن هؤلاء الشباب المندفعين . ويفاجئه الشاب بأن عليه أن يقرأ مؤلفات يحيي سعد ولا يعرف إنه يحي سعد لكن الحلفاوي صار رافضا لكل ما كتبه هو “يحي سعد” . طبعا هناك حوار بينه وبين الشاب هل يمكن له كثوري أن يتزوج البنت الضائعة الجاهلة وهذا كله لزوم الدراما وليس له معني للإدانة أو التأييد لأن الطبيعي أن لايتزوج الشاب إلا من يحب . هنا حوار فقط ليكون للدراما دم ولحم وليست أفكارا تجري . ويخرج الشاب ومعه الفتاة للالتحاق بالثورة لكن بعد أن نعرف أن ابن يحي سعد أو نبيل الحلفاوي مع الشباب الثوار . هنا نعرف من صوت الإبن وصورته السينمائية إنه لايثق فيما يقوله أبوه عن الثورة ويعتبره وجيله حجر عثرة أمامها وهنا مكمن أزمة البطل . من هنا عدم اتفاق الحلفاوي مع الثورة وتفسير لماذا يسعي للموت ويكذب علي الأطباء فيفعل كل مايمنعونه عنه . يريد إبنه وإن لم يقل ذلك . ومن ثم حين يأتي خبر موت الابن يسقط هو ميتا . لا انتحر ولا قتله المرض . وهكذا تأخذ الأحداث شكلها الإنساني رغم مفردات السياسة التي تتناثر بين الحوار . طبعا التفاصيل كثيرة فيما يخص محاولة محمود الجندي إخفاء خبر موت الإبن . لكن هذه النهاية تعيد تفسير كل شيئ . الثورة هنا ليست مشكلة سياسية فقط لكنها أزمة وجود لجيل قديم لايدرك سرعة وحركة الجيل الجديد الذي رغم النافذة المغلقة فالمخرج يفتحها بصور سينمائية من الميادين مقررا أن الأحداث تمضي والقدماء علي حالهم . وفي النهاية يأتي الشباب من النافذة يملأون الواجهة بالحركة والأمل في مشهد مؤثر ينتصر نهائيا للجيل الجديد . قامت بدور الفتاة الضائعة الشابة إيمان إمام وأحسنت دورها وفعل تامر الكاشف “الشبح” رغم دوره القصير وطبعا سلوي عثمان وكل من في العرض لكن أداء نبيل الحلفاوي ومحمود الجندي بلغ عنان السماء . اداؤهما السهل الممتنع جعلهما كأنهما يعيشان بينا وتعثر محمود الجندي في نطق كثير من الكلمات بدا طبيعيا جدا ومدهشا متسقا مع عمره الضائع رغم مايثيره من ضحك. والديكور والموسيقي وكل شيئ في هذا العرض رائع وطبعا المسرحية من إخراج الكبير عصام السيد كما أن النص من كتابة الكبير لينين الرملي وكما يقول هو أن المسرحية تكمل ” أهلا يابكوات ” و” وداعا أيها البكوات ” فالبطلان لم يعودا إلي الماضي ولم يذهبا الي المستقبل إنما يعيشان الحاضر بكل مافيه من تقلبات